عام

مساهمة أذربيجان في تحقيق السلام والاستقرار الذي طال انتظاره في المنطقة

بقلم السفير شاهين عبد اللاييف

سفير فوق العادة ومفوض لجمهورية أذربيجان بالرياض

حقق شعب أذربيجان نصرًا تاريخيًا بقيادة الرئيس القائد الأعلى المنتصر السيد إلهام علييف، في عام 2020، في الحرب الوطنية التي استمرت 44 يومًا، ووضع حدًا لاحتلال أراضينا.

على الرغم من الاحتلال الأرميني والمصاعب التي استمرت 30 عامًا، اقترح الجانب الأذربيجاني بعد فترة وجيزة من الحرب الوطنية،  مبادئ أساسية ومعاهدة سلام لتطبيع العلاقات بين البلدين على أساس الاعتراف المتبادل والاحترام لسيادة البلدين وسلامتهما الإقليمية وحرمة حدودهما.

ولكن الجانب الأرمني لم يستجب لمبادرات السلام الأذربيجانية لفترة طويلة وقام بتأخير العملية بذرائع مختلفة، على الرغم من ذلك واصل الجانب الأذربيجاني بحزم جهوده بحسن نية لدفع المبادرات في اتجاه معاهدة السلام وترسيم الحدود وفتح الاتصالات.

مع الأسف الشديد، نرى اليوم الجهود المبذولة من أجل إقامة سلام دائم بين أذربيجان وأرمينيا أصبحت ضحية لسياسة التوتر والانتقام التي تنتهجها أرمينيا.

على الصعيد الدولي والإقليمي، ظلت أرمينيا دولة تتجاهل القرارات الأربعة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 1993 والتي تطالب أرمينيا بالانسحاب الكامل والفوري وغير المشروط لقواتها المسلحة من أراضي أذربيجان.

على الرغم من أن القانون الدولي، وكل دولة في العالم، وأربعة قرارات منفصلة لمجلس الأمن الدولي تعترف بكاراباخ كأراض أذربيجان، فقد تخيل السياسيون الأرمن على مدى ثلاثة عقود إنشاء إقليم أرمني عرقي مستقل أو التوحيد مع أرمينيا بضم تلك الأراضي المصادرة.

عندما تولى رئيس الوزراء الحالي لأرمينيا، نيكول باشينيان، السلطة في عام 2018، توقعت أذربيجان أنه قد سيسلك مسارًا مختلفًا لتسوية سلمية للصراع. لكن تصريحه بعد عام واحد فقط من أن “كاراباخ هي أرمينيا، وهذا كل شيء” أنهى الآمال في عملية التفاوض.

بعد حرب كاراباخ الثانية عام 2020، أثبتت أذربيجان بانتصارها المجيد الواقع الجديد للعالم بأن كاراباخ هي أذربيجان!. واستُردت الأرض بعد حرب استمرت 44 يومًا نتيجة التدمير غير المسبوق للتراث العام والخاص والثقافي والديني لأذربيجان. مدينة أغدام وحدها – التي كانت ذات يوم واحدة من أكبر المدن في المنطقة – تم طمسها إلى حد أنها تعرف الآن باسم “هيروشيما القوقاز”.

أصبحت أذربيجان اليوم واحدة من أكثر الدول تلوثا بالألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب في العالم. تشير البيانات الأولية التي تم جمعها إلى أن الحد الأدنى لعدد الألغام الأرضية يبلغ حوالي 1.5 مليون. ومع ذلك ، قد يكون العدد الفعلي للألغام الأرضية أعلى بكثير نتيجة للبيانات التي يتم جمعها حاليًا من خلال المسوحات الفنية وغير الفنية.

تؤثر الألغام الأرضية سلباً على حياة السكان وتظل مصدر التهديد الإنساني في أذربيجان، وتشكل تهديدا علنيا لحوالي مليون شخص، أي ما يقرب من 10٪ من إجمالي سكان البلاد. هؤلاء هم في المقام الأول نازحون لا يستطيعون العودة إلى ديارهم بأمان.

منذ نوفمبر 2020، خصصت أذربيجان حوالي 200 مليون دولار أمريكي من ميزانية حكومتها لتطهير جزء من أراضيها من الألغام الأرضية التي نشرتها أرمينيا.

منذ البيان الثلاثي الصادر في نوفمبر 2020، قُتل أكثر من 300 أذربيجاني أو أصيبوا بجروح خطيرة نتيجة انفجار ألغام زرعتها أرمينيا في أراضي أذربيجان المحتلة سابقا.

إن أرمينيا زرعت هذه الألغام دون ضرورة عسكرية، واستهدفت المدنيين عمدا، وفشلت في تحديد حقول الألغام وتوثيقها بشكل صحيح، ورفضت الوفاء الكامل بالتزامها بالكشف عن خرائط الألغام المتعلقة بمواقع حقول الألغام بعد وقف الأعمال العدائية.

على الرغم من البند الواضح في البيان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 بشأن انسحاب القوات الأرمينية ووقف جميع الأنشطة العسكرية، لا تزال القوات الأرمينية غير الشرعية المتبقية في أراضي أذربيجان تشارك في أنشطة نشر الألغام. وتشكل خطرا أساسيا على أمن وسلامة سكان المنطقة.

بموجب القانون الدولي الإنساني، تتحمل أرمينيا المسؤولية عن النشر العشوائي للألغام، وعدم الإفراج عن الخرائط المتعلقة بالألغام المنتشرة وضحايا تلك الألغام. يجب على أرمينيا إن كانت تريد السلام الحقيقي في المنطقة، أن تتعاون بحسن نية للإفصاح عن خرائط زرع الألغام وتقديم المساعدة التقنية لعمليات إزالة الألغام.

اليوم، أذربيجان تدعو ممثلي السكان الأرمن في منطقة كاراباخ التي تعيش فيها إلى حوار مفتوح وحقيقي حول إعادة الاندماج إلى المجتمع الأذربيجاني. ذكرت أذربيجان في مناسبات عديدة أنَّ دستور أذربيجان ينص على ضمان حقوقهم وأمنهم وكذلك التزاماتهم كأقلية للتعايش في كاراباخ. وهذا يشمل حقوقهم الدينية واللغوية والبلدية التي يتم احترامها.

والأمر الحاسم الآن هو أنَّ أي عملية إعادة دمج يجب أن تشمل تسريح ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة غير الشرعية والانسحاب الكامل لعناصر القوات المسلحة لأرمينيا الباقية.

لأجل وقف تدفق الأسلحة إلى هذه الجماعات – والذي استمر حتى مع مواصلة محادثات السلام – أقامت أذربيجان نقطة تفتيش حدودية في مدينة لاتشين في أراضيها السيادية لفرض السيطرة على حدودها ومنع الأنشطة غير القانونية لأرمينيا. علاوة على ذلك ، أثبت قرار محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 6 يوليو 2023م بالإجماع عن رفض استئناف الدعوة الأرمينية لإزالة نقطة التفتيش المذكورة.

وفي الوقت نفسه، عرضت أذربيجان تزويد المنطقة بالأغذية والأدوية من خلال طريق آخر أقصر وأوسع. أقر به كل من الاتحاد الأوروبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر بإمكانية استخدام هذا الطريق.

اعتدنا في أذربيجان على سماع مثل هذه الادعاءات المضللة، ولكن بالنسبة للمجتمع الدولي وخاصة وسائل الإعلام الأجنبية، من المهم أن نرى أن استخدام مثل هذه المصطلحات العاطفية والصادمة يهدف إلى إخفاء ما يحدث بالفعل من وجهة نظرهم.

بدلاً من الانخراط في الحملات والتلاعب السياسية، يجب على أرمينيا أن تلتزم بمفاوضات السلام وتطبيع العلاقات مع أذربيجان. فإن تلاعب أرمينيا بالواقع يأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف، خاصة ما قامت بتقديم مناشدة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هي مثال آخر يتعارض مع مثل هذا الالتزام من جميع النواحي. ففشلت محاولة أرمينيا مرة أخرى استخدام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في حملة الابتزاز بتاريخ 16 أغسطس 2023. إن مثل هذه الجهود للتلاعب بالجهاز الأعلى المذكور واستغلاله في أرمينيا ليست فقط غير مثمرة من حيث دفع أجندة التطبيع في فترة ما بعد الصراع ، ولكنها أيضًا مدمرة للغاية.

عرضت أذربيجان اتفاقية السلام على أرمينيا على أساس الاعتراف المتبادل والاحترام لسيادة البلدين وسلامتهما الإقليمية وحرمة حدودهما. ومن ناحية أخرى، تنتهج أذربيجان سياسة إعادة الإدماج للسكان من أصل أرمني الذين يعيشون في منطقة كاراباخ كمواطنين متساوين من خلال ضمان جميع الحقوق والحريات طبقا لجميع الآليات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان المنصوص عليها أيضا في دستور أذربيجان. كما أننا مصممون على حماية سيادتنا وسلامتنا الإقليمية بكل الوسائل القانونية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وتلتزم أذربيجان بالتفاعل البناء مع جميع الأطراف المهتمة حقا بدفع أجندة التطبيع، وبالتالي فهي على استعداد للمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار الذي طال انتظاره في المنطقة.

وحدة الأراضي والسيادة لكل بلد هي أمور مقدسة. لا يمكن قبول نهج انتقائي للانفصال. يجب أن يتم التوقيع على البيانات الشفوية من القيادة الأرمينية حول دعم وحدة أراضي أذربيجان في إطار معاهدة سلام. كما يتعين على أرمينيا أن تكف في النهاية عن جميع مطالباتها الإقليمية ضد أذربيجان وأن تسحب جميع عناصر قواتها المسلحة من أراضي أذربيجان. لا توجد طريقة أخرى للمضي قدما. اتخذت أذربيجان الخطوات الأولى لرسم طريق السلام. الكرة الآن في ملعب أرمينيا.

والجدير بالذكر هنا أن جمهورية أذربيجان تقدروتثمن مواقف منظمة التعاون الإسلامي العادلة تجاه قضاياها، بما فيها قضية الاحتلال الأرميني السابق جزء من أراضي أذربيجان. بعد أن أصبحت أذربيجان عضوا في منظمة التعاون الإسلامي عامَ 1991م تلقت دائما الدعم المستحق من قبل منظمة التعاون الإسلامي. حيث أصدرت منظمة التعاون الإسلامي مراراً وتكراراً العديد من التصريحات والقرارات التي تدين بشكل قاطع الاحتلال والعدوان الأرمني.

كما لا ننسى دور المملكة العربية السعودية الصديقة، ومساندتها العادلة منذ اليوم الأول للصراع بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان إلى يومنا هذا، حيث وقفت إلى جانب أذربيجان وقدمت لها الدعم السياسي والدبلوماسي والمعنوي على الصعيدين الدولي والإقليمي.

 

اترك تعليقاً